بين دفتي هذا الكتاب تتحرك مجموعة من القصاصات السردية التي توحدت فيها الحواس بالأحاسيس والأفكار بالعواطف فتولد عن هذا التوحد سرد متميز يكشف عن حس إبداعي ومخيلة خلاقة تفاعلت بداخلها المتناقضات وأنتجت انسجاما منقطع النظير، ظاهره بنية لفظية بسيطة يمسك أولها بتلابيب آخرها؛ وباطنها فلسفة كونية توحد كائنات الكون في الإحساس والمشاعر..... قصاصات سردية بامتياز ليست كالخواطر أو التأملات التي نصادفها في بعض النصوص التي تفرض نفسها على السرد فرضا دون أن تكونه، بل هي سرد تلغرافي سريع أفلح صاحبه في تمرير الرسائل القصيرة المشفرة المتضمنة فيه بنفس سردي خاص يقحم المتلقي بالضرورة في عوالمه من أجل البحث عن خفاياه، ولا يستطيع الانفلات من متاهاته التي رسمتها هذه الحلزونة الوحيدة على الحلبة خلال مسار السباق.
مبروك السالمي بالفعل مبدع فنان اخترق السرد البسيط بخيالاته اللا متناهية التي جمعت بين المتناقضات في جمل بسيطة فحولتها عالما فسيحا ممتدا، ومنحتها انسجاما جوهريا له معنى أكسب هذا البسيط مشروعيته المعرفية والتواصلية.